بيع الوهم للبسطاء ليس امرا جيدا
قبل سقوط النظام وبعد سقوطه كنت اركز على نقطة محددة تمنيت لو ان الجميع نبه لها خصوصا السياسيون احزابا ونشطاء ومثقفين وهذه النقطة المهمة تتعلق بان اغلب الناس وخصوصا البسطاء كانت لديهم قناعة تامة انه فور سقوط النظام ستتغير الامور فى البلاد وتحديدا المسالة الاقتصادية 180 درجة ونتحول بين يوم وليلة الى بحبوحة من العيش ,, هذا التصور الكارثي حاولت كثيرا التنبيه له بان الثورة الحقيقية تبدا بعد سقوط النظام وليس قبله وان معاناتنا ستكون حادة وطويلة من اجل اعادة بناء هذه الدولة من الاساس وخصوصا المسألة الاقتصادية.
تركة النظام السابق كبيرة جدا وارثه كارثي والدولة تحتاج للوقوف من الصفر وليس مثل الدول الاخرى التى على الاقل تملك قدرات او اساس يمكن البناء عليه ,, للاسف لم يسعوا لتوعية الناس وتركوهم لاحلامهم ولوهمهم الى درجة ان اغلب الناس الان تحمل الحكومة الحالية وضع البلاد رغم انها لا ذنب لها من قريب او بعيد بالوضع الحالى وهذا لا يتناقض مع نقدنا للبطئ والتاخير فى معالجة الازمة وبعض القرارات الخاطئة وعدم قدرة بعض الوزراء فى اداء دورهم.
الان نفس الاحزاب ونفس النشطاء ونفس المثقفين او انصاف المثقفين يرتكبون ذات الخطأ وهو بيع الوهم للناس .اغلب السودانيون اليوم لديهم وهم ان السيطرة على شركات الجيش والامن ستحل مشكلة الاقتصاد وهذا الوهم انتشر بشدة لدرجة ان البعض يضعها كحل لمشكلة الاقتصاد .
يجب توعية الناس ان هذه الشركات لا تحل ازمة ولا تضيف اى شئ للاقتصاد بل اغلبها عبء على الاقتصاد ,, عندما نطالب بضرورة السيطرة على هذه الشركات فنحن نقصد ازالة التشوهات من على جسد الاقتصاد وضرورة ان تكون الدولة متحكمة فى كل مصادر الدخل والانفاق وان وجود اجسام مالية خارج سلطة وزارة المالية تماما كالورم السرطانى لا يصح ابدا ..لكن يجب ان نفهم الفرق ,, هذه الشركات لن تحل مشكلة الاقتصاد ولن تساهم ولو بجزء يسير فى حل الازمة .
السيطرة على هذه الشركات عملية اصلاحية ضرورية مثلها مثل اصلاح مؤسسات دخلية اخرى كالضرائب والجمارك وكل الرسوم الحكومية الغير مسيطر عليها او لا تتناسب دخلها مع حجمها .
معالجة الازمة الاقتصادية تحتاج لخطة مدروسة منها قصيرة ومنها طويلة المدى اساسها تنموى تعالج مشكلة الانتاج فى المقام الاولى وتستهدف مواردك الحقيقية مثل الزراعة والثروة الحيوانية وهذا الامر يحتاج الى الكثير من الصبر والمشاركة الفاعلة من كافة اطراف المجتمع لكن لكى يحدث ذلك الحكومة مطالبة فى معالجة منظومة السلع الضرورية مثل الخبز والوقود لتعطى نفسها مزيدا من الوقت وتعطى المجتمع مساحة راحة للتحمل والعمل على معالجة المشكلة .
لا تبيعوا الوهم للناس وتصوروا لهم ان شركات الجيش تساوى قيمتها شركة ابل الامريكية او ارامكو السعودية وبدلا من ذلك فكروا فى معالجة اشياء اهم منها وفائدتها على الاقتصاد تعادل خمسة الف مرة حجم فائدة هذه الشركات ... ابسط شئ عوائد المغتربين .. هل يعلمون ان تحويلات المغتربين يمكن ان تساهم بما يقرب او يزيد عن 2 مليار دولار سنويا ؟؟ ماذا فعلوا تجاه هذا الامر ؟؟ ماهى الخطة الجاذبة لاغراء المغتربين ؟؟ ما دور الدولة والبنوك والمؤسسات الاخرى فى جلب هذه المبلغ الضخم ؟؟الى متى تكون تحويلات المغتربين محولة الى طرف ثالث ( كبري ) عبر تجار العملة لتكون ناتجها صفر فى الاقتصاد المحلى ؟؟ ماهى المغريات المقدمة وماهى المعالجات الاخرى التى تقاوم فرق العملة بين الاسواق الرسمية والسوداء لتذهب هذه الاموال داخل القنوات الرسمية ؟؟
اتحدث هنا عن ابسط شئ يضمن لك عملة صعبة وبحجم كبير دعك من المشاريع الانتاجية الاخرى ومعالجة مشكلاتها مثل الثروة الحيوانية التى تنفق صادراتها فى عرض البحر .
هشام عباس